لوكاس فاسكيز- من قرية كورتيس إلى مجد ريال مدريد وأكثر

في أحضان قرية كورتيس الإسبانية الوادعة، على بُعد شاسع يتجاوز الـ 500 كيلومتر عن صخب العاصمة مدريد، بزغ نجم لوكاس فاسكيز، ذلك الفتى اليافع الذي نسج حلمه من رقعة ترابية متواضعة، ليضيء به سماء ملعب سانتياجو برنابيو الشامخ. وبينما يودع بقلب مثقل ريال مدريد في يوم الخميس، يترك خلفه إرثًا عظيمًا من الانتصارات الغالية والذكريات الخالدة التي لا تُمحى من الذاكرة.
في مطعم عائلته المتواضع، الذي تزدان جدرانه بصوره وهو يرتدي بكل فخر القميص الأبيض الملكي، يتلاقى أهالي كورتيس في ليالي المباريات الحاسمة، قلوبهم وجلة ومترقبة تتابع بشغف أحداث الشاشة، بينما يهرب آخرون من وطأة التوتر إلى تحضير أشهى أطباق التاكو والتاباس الشهية.
هنا، في هذا المكان تحديدًا حيث بدأت القصة بأكملها، كان لوكاس ذلك الطفل الخجول، الذي أطل على الدنيا في الأول من يوليو من العام 1991، والذي لطالما همس جيرانه عن سمو أخلاقه ورقته وسحره الآسر البسيط الذي يخطف الأنظار.
تلقى تعليمه في مدرسة القرية المتواضعة حتى المرحلة الثانوية، قبل أن ينتقل إلى مدينة لا كورونيا ليلاحق بكل إصرار شغفه الأزلي بكرة القدم في أكاديمية SEK المرموقة، حيث كان حلمه يتجلى بوضوح تام كالشمس الساطعة في رابعة النهار: «أريد أن أصبح لاعب كرة قدم محترف»، وكما يحدث في بعض الأحيان، تتحقق الأحلام وتصبح واقعًا ملموسًا.
بدأ لوكاس رحلته الكروية في المركز الثقافي الرياضي المتواضع في كورتيس، يركل الكرة بكلتا قدميه الصغيرتين، ثم سرعان ما انتقل إلى نادي أورال في لا كورونيا، حيث لعب ضمن صفوف فريق تحت 16 عامًا على الرغم من تجاوزه السن المحدد.
في عام 2007، لفت أنظار كشافي نادي ريال مدريد العملاق، ليقع الاختيار عليه وينضم إلى أكاديميتهم العريقة، بدءًا بفريق الشباب الثالث.
تدرج بثبات في المستويات المختلفة، لكنه واجه في طريقه بعض العقبات والتحديات، والإصابات المتكررة في أوتار الركبة اللعينة، التي أبعدته عن الملاعب لمدة ستة أشهر قاسية، إلا أن إرادته الصلبة وعزيمته التي لا تلين لم تنحنِ أبدًا.
في عام 2010، توّج مع فريق الشباب بلقب الدوري الإسباني المرموق وكأس الأبطال الغالية، إلى جانب كوكبة من النجوم الواعدة، مثل ألفارو موراتا وداني كارفاخال.
صعد مع فريق كاستيا إلى دوري الدرجة الثانية في عام 2012، لكنه هبط مرة أخرى في عام 2014، على الرغم من تألقه الفردي اللافت.
في صيف عام 2014، أُعير إلى نادي إسبانيول، حيث أثبت جدارته واستحقاقه في الدوري الإسباني الممتاز، مما جعله يعود إلى صفوف ريال مدريد في عام 2015 مقابل مبلغ زهيد نسبيًا قدره 1.5 مليون يورو.
في نهاية ذلك الموسم التاريخي، رفع كأس دوري أبطال أوروبا الغالية بعد الفوز المثير على أتلتيكو مدريد بركلات الترجيح، حيث سجل ركلته بكل ثقة واقتدار.
تحول لوكاس ببراعة من مركز الجناح الأيمن إلى مركز الظهير، ليصبح بذلك رمزًا للتعددية والمرونة التكتيكية التي قلّ نظيرها.
سجل 38 هدفًا حاسمًا، وقدم 73 تمريرة حاسمة لزملائه، وحصد 21 لقبًا غاليًا، من بينها خمسة ألقاب في دوري أبطال أوروبا، وأربعة ألقاب في الدوري الإسباني، وألقاب أخرى في كأس العالم للأندية والسوبر الأوروبي.
خارج الملعب، عاش لوكاس حياة متوازنة ومستقرة، حيث تزوج من حبيبته ماكارينا رودريجيز، التي التقاها في رحاب جامعة كومبلوتنسي المرموقة في مدريد، وأنجبا ثلاثة أطفال رائعين: لوكاس الصغير، وماكا الجميلة، وبينجي المحبوب.
لم يكتفِ لوكاس بممارسة كرة القدم فقط، بل استثمر أيضًا في علامة نبيذ فاخرة تحمل اسم «فورتاليزا»، وحقق من خلالها إيرادات بلغت 2.4 مليون يورو، كما أسس صالة رياضية متكاملة في مدينة لا كورونيا تمتد على مساحة 400 متر مربع، لتصبح ملاذًا مفضلًا لعشاق اللياقة البدنية والرياضة.
على الرغم من كل هذه الإنجازات العظيمة والنجاحات الباهرة، ظل لوكاس ذلك الفتى الخجول القادم من قرية كورتيس المتواضعة، الذي يحمل قلبًا كبيرًا ينبض بعشق جارف لأربعة أشياء: ماكارينا زوجته، وأطفاله الثلاثة الرائعين، وبالطبع نادي ريال مدريد العظيم.